الأحد، 24 أبريل 2011

شبهة ميراث المرأة في الإسلام




       تعالت في الأونة الأخيرة بعض أصوات الناعقين ممن يسمون أنفسهم بالعلمانيين مطالبين بتمكين المرأة من المساواة مع الرجل في الميراث و هم بذلك يريدون ابراز أن الإسلام ينتقص من قيمة المرأة و من شأنها و أن مكانتها دونية في مقابل الرجل في هذا النقل من كتاب حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين تفنيد قاطع لما يطرحونه.   
      كثير ممن يثيرون الشبهات حول أهـلية المرأة في الإسـلام – متخـذين من التمايز في الميراث سبيلاً إلى ذلك – لا يفقـهون أن توريث المـرأة على النصـف من الرجل ليس موقفًا عامًا ولا قاعدة مطّردة في توريث الإسلام لكل الذكور وكل الإناث.صحيح وحق أن آيات الميراث في القرآن الكريم قد جاء فيها قول الله سبحانه وتعالى:(للذكر مثل حظ الأنثيين) لكن القرآن الكريم لم يقل: يوصيكم الله في المواريث والوارثين للذكر مثل حظ الأنثيين.. إنما قال: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين[1]).. أى أن هذا التمييز ليس قاعدة مطّردة في كل حـالات الميراث ، وإنما هو في حالات خاصة ، بل و محدودة من بين حالات الميراث.
     بل إن الفقه الحقيقي لفلسفة الإسلام في الميراث تكشف عن أن التمايـز في أنصبة الوارثين والوارثات لا يرجع إلى معيار الذكورة والأنوثة.. وإنما لهذه الفلسفة الإسلامية في التوريث حِكَم إلهية ومقاصد ربانية قد خفيت عن الذين جعلوا التفاوت بين الذكور والإناث في بعض مسائل الميراث وحالاته شبهة على كمال أهلية المرأة في الإسلام. وذلك أن التفاوت بين أنصبة الوارثين والوارثات في فلسـفة الميراث الإسلامي ـ إنما تحكمه ثلاثة معايير:
     أولها: درجة القرابة بين الوارث ذكرًا كان أو أنثى وبين المُوَرَّث المتوفَّى فكلما اقتربت الصلة.. زاد النصيب في الميراث.. وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب في الميراث دونما اعتبار لجنس الوارثين.
     وثانيها: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال.. فالأجيال التي تستقبل الحياة ، وتستعد لتحمل أعبائها ، عادة يكون نصيبها في الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة. وتتخفف من أعبائها ، بل وتصبح أعباؤها ـ عادة ـ مفروضة على غيرها ، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات.. فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه ـ وكلتاهما أنثى ـ.. وترث البنت أكثر من الأب ! – حتى لو كانت رضيعة لم تدرك شكل أبيها.. وحتى لو كان الأب هو مصدر الثروة التي للابن ، والتي تنفرد البنت بنصفها... وكذلك يرث الابن أكثر من الأب ـ وكلاهما من الذكور
وفى هذا المعيار من معايير فلسفة الميراث في الإسلام حِكَم إلهية بالغة ومقاصد ربانية سامية تخفى على الكثيرين. و هي معايير لا علاقة لها بالذكورة و الأنوثة على الاطلاق.
     وثالثها: العبء المالي الذي يوجب الشرع الإسلامي على الوارث تحمله والقيام به حيال الآخرين.. وهذا هو المعيار الوحيد الذي يثمر تفاوتاً بين الذكر والأنثى.. ولكنه تفاوت لا يفضي إلى أي ظلم للأنثى أو انتقاص إنصافها... بل ربما كان العكس هو الصحيح...
ففي حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون في درجة القرابة.. واتفقوا وتساووا في موقع الجيل الوارث من تتابع الأجيال – مثل أولاد المتوفَّى، ذكوراً و إناثاً – يكون تفاوت العبء المالي هو السبب في التفاوت في أنصبة الميراث.. ولذلك ، لم يعمم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى في عموم الوارثين ، وإنما حصره في هذه الحالة بالذات ، فقالت الآية القرآنية: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين).. ولم تقل: يوصيكم الله في عموم الوارثين.. والحكمة في هذا التفاوت ، في هذه الحالة بالذات ، هي أن الذكر هنا مكلف بإعالة أنثى ـ هي زوجه ـ مع أولادهما.. بينما الأنثـى الوارثة أخت الذكرـ إعالتها ، مع أولادها ، فريضة على الذكر المقترن بها.. فهي ـ مع هذا النقص في ميراثها بالنسبة لأخيها ، الذي ورث ضعف ميراثها ، أكثر حظًّا وامتيازاً منه في الميراث.. فميراثها ـ مع إعفائها من الإنفاق الواجب ـ هو ذمة مالية خالصة ومدخرة ، لجبر الاستضعاف الأنثوي ، ولتأمين حياتها ضد المخاطر والتقلبات.. وتلك حكمة إلهية قد
 تخفى على الكثيرين وإذا كانت هذه الفلسفة الإسلامية في تفاوت أنصبة الوارثين والوارثات وهى التي يغفل عنها طرفا الغلو ، الديني واللادينى ، الذين يحسبون هذا التفاوت الجزئي شبهة تلحق بأهلية المرأة في الإسلام فإن استقراء حالات ومسائل الميراث ـ كما جاءت في علم الفرائض (المواريث) ـ يكشف عن حقيقة قد تذهل الكثيرين عن أفكارهم المسبقة والمغلوطة في هذا الموضوع.. فهذا الاستقراء لحالات و مسائل الميراث يقول لنا:
1.     أن هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل.
2.     هناك حالات أضعاف هذه الحالات الأربع ترث فيها المرأة مثل الرجل تماما.
3.     هناك عشر حالات أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل.
4.     هناك حالات ترث فيها المرأة و لا يرث نظيرها من الرجال.
أي هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل أو أكثر منه أو ترث هي و لا يرث نظيرها من الرجال في مقابل أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل.
         تلك هي ثمرات استقراء حالات ومسـائل الميراث في عـلم الفرائض (المواريث) التي حكمتها المعايير الإسلامية التي حددتها فلسفة الإسلام في التوريث.. والتي لم تقف عند معيار الذكورة والأنوثة ، كما يحسب الكثيرون.
                                            نقلا عن كتاب: حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين



 سورة النساء آية 11[1]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق