السبت، 28 مايو 2011

مناهج التشريع الجزء الأول


               مخطط البحث:
1.    تعريف التشريع.
2.    تعريف المنهج.
3.    الغاية من المنهج.
4.    مناهج التشريع الإسلامي.
5.    الاختلاف في المناهج.
6.    الدعوة إلى تجديد المناهج.
      تعريف التشريع: اسم فعل من شرع يشرع شرعا أي سن. و الشريعة في اللغة الطريق الذي يتوصل منه إلى الماء قال ابن عاشور: " و سميت الديانة شريعة على التشبيه لأن فيها شفاء النفوس و طهارتها و العرب تشبه بالماء و أحواله كثيرا كما قدمناه في قوله تعالى ‹‹ تعلمه و الذين يستنبطونه منهم[1]›› في سورة النساء.[2]
قال تعالى‹‹ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا و الذي أوحينا إليك و ما وصينا به إبراهيم و موسى وعيسى أن أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه[3]›› أي سن لكم و في التحرير لابن عاشور: " و معنى شرع أوضح وبين... وأصل شرع جعل طريقا واسعة و كثر إطلاقه على سن القوانين و الأديان فسمي الدين شريعة فشرع هنا مستعار للتبيين[4]..."
   فالتشريع هو سن القوانين و جعلها بينة واضحة ليسير عليها الناس و قد أنزل الله تعالى شريعة و وعد من يسير عليها خير الدنيا  والآخرة فقال تعالى‹‹ و أن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا[5]›› و استنكر أن يسير الناس على شريعة من عند غيره تعالى فقال جل و جلاله ‹‹ أم لهم شركاء شرّعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله[6] ›› و التشريع ظاهرة إنسانية إذ أن كل أمة في كل زمان  ومكان لها تشريع يسير عليه أفرادها بقطع النظر عن كونه مكتوبا أو عرفيا صالحا أم فاسدا عادلا أم جائرا ثابتا أم متغيرا.   
تعريف المنهج: جمع مناهج و هو الطريق الواضح قال ابن منظور في لسان العربي: " نهجت الطريق أبنته وأوضحته يقال اعمل على ما نهجته لك و نهجت الطريق سلكته و فلان يستنهج سبيل فلان أي يسلك مسلكه[7] "
قال ابن عاشور " و المنهاج الطريق الواسع و هو هنا في الآية 48 من سورة المائدة تخييل أريد به طريق القوم  أي غير المسلمين إلى الماء... و يصح أن يجعل له رديف في المشبه بأن تشبه العوائد المنتزعة من الشريعة أو دلائل التفريع عن الشريعة أو طرق فهمها بالمنهاج الموصل إلى الماء فمنهاج المسلمين لا يخالف الاتصال بالإسلام فهو كمنهاج المهتدين إلى الماء و منهاج غيرهم منحرف عن دينهم... فذلك كالمنهاج الموصل إلى غير المورود[8] "
   و من هذه المقتطفات المنقولة نجد أنفسنا أمام أربعة أشياء الماء و الطريق أو السبيل الموصلة إليه. ثمّ إن الدين أو الشريعة و المنهاج الموصل إليه فكما أن لمورد الماء طريقا و سبيلا موصلة إليه كذلك الدين و الشريعة له طريقا و سبيلا. و كما أن الطرق و السبل أنواع منها ما يوصل إلى مورد الماء و منها ما لا يوصل إليه، كذلك المناهج منها ما يوصل للدين و الشريعة و منها ما لا يوصل و لهذا سبق من قول ابن عاشور «منهاج المسلمين لا يخالف الاتصال بالإسلام فهو كمنهج المهتدين غلى الماء» ثم أضاف « و منهاج غيرهم منحرف عن دينهم... فذلك كالمناهج الموصل إلى غير المورود»
   و يصدق القرآن ما قاله ابن عاشور في هؤلاء «و إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني و أمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق أن قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي و لا أعلم ما في نفسك إنك أنت علاّم الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن أعبدوا الله ربي و ربكم و كنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم و أنت على كل شيء شهيد[9]» فتأليه عيسى وأمه مريم عليهما السلام ليس هو دين المسيح و لا شريعته و إنما هو انحراف أوصل النصارى إليه منهج  وطريق و سبيل منحرف من كل هذا يتضح أنّ المناهج هي الطرق المتبعة لمعرفة حقيقة الدين تماما مثل الطرق المتبعة لبلوغ موارد المياه و قد مثل لها ابن عاشور و عبر عنها في قوله السابق بـ ( العوائد و دلائل التفريع عن الشريعة أو طرق فهمها )
الغاية من المناهج
   تختلف الغاية من المناهج حسب اختلاف نوايا و مقاصد أصحابها و هو ما يجعل المناهج في حد ذاتها تختلف منها المستقيم و منها المنحرف المعوج، فأصحاب النوايا و المقاصد الفاسدة لهم منهج منحرف معوج و قد رد عليهم القرآن في مواضع منها:
قوله تعالى«... فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله[10]...» أي أنّ هذا الصنف من الناس يترك المنهج الواضح السليم و ينهج النهج الشائك ليبلغ مقاصده المنحرفة عبر التأويل غير المشروع.
   قوله تعالى:«أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر[11]» فالمشركون يستعملون منهجا منحرفا في المقارنة بين المؤمنين بدعوى أن لهم براءة في الزبر و الحقيقة خالية من البراءة المزعومة و إن وجدت ففي الزبر المحرفة و التي يعرفون أنها محرفة و لهذا يستنكر الله تعالى منهجهم فيقول«أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون[12]» و قوله تعالى ما لكم كيف تحكمون صريح بين في رد المنهج المنحرف الذي اعتمدوه في تخيير الكافرين على المؤمنين فكما لا يفضل الكافر المؤمن لا يفضل المجرم المسلم.
   قوله تعالى:«أفرأيت الذي كفر بآياتنا و قال لأوتين مالا و ولدا اطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا»[13] فهذا الكافر يصرح بمستقبله الزاهر لكن بغير منهج سليم فهو لم يطلع على الغيب حتى يعرف ماذا سيكسب غدا من المال و الولد و لا أبرم عهدا مع الله تعالى الذي بيده النفع و الضر فقط اعتمد هذا الكافر على منهج الرجم بالغيب فقوله عن مستقبله كقول المتخلفين في عدد أصحاب الكهف: «سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم و يقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب و يقولون سبعة ثامنهم كلبهم قل ربي اعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تماري فيهم إلا مراء ظاهرا و لا تستفت فيهم منهم أحدا[14]»
   و قد أنكر الله تعالى على أهل الكتاب مناهجهم المعوجة فقال تعالى«قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا و أنتم شهداء و ما الله بغافل عما تعملون[15]» فأهل الكتاب في الأصل أنفسهم استيقنت الإيمان و هم شهداء على الحق فكان حريا بهم لو اتبعوا المنهج السليم إن يدعوا إلى سبيل الله و لكنهم اتبعوا منهجا عوجا فقادهم إلى الصد عن سبيل الله تعالى. و لهذا يدعوهم الله تعالى إلى المنهج السليم فيقول جلا و علا «و لا تلبسوا الحق بالباطل و تكتموا الحق و أنتم تعلمون[16]» و من أبشع المناهج المعوجة المغالطة  والتحريف
و التضليل« و إن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب و ما هو من الكتاب و يقولون هو من عند الله و ما هو من عند الله و يقولون على الله الكذب و هم يعلمون[17]»  
   و في القرآن أمثلة كثيرة في رد المناهج الفاسدة التي كان ينتهجها العرب في الجاهلية و أهل الكتاب و غيرهم من أئمة الكفر. و في عصرنا ظهرت مناهج لا تقل اعوجاجا عن مناهج الجاهلية الأولى تدعو إلى تقديم العقل على النقل و تقديم التأويل على التفسير و تدعو إلى قراءة النصوص قراءة لا تلقي بالا لمصدرها الذي انتهجها.
يمكن متابعة الجزء الثاني و الثالث على مدونة السيد علي البشير القريوي
الأستاذ علي القريوي
alhekma.blogspot.com




  النساء 83[1]
 الشيخ الطاهر بن عاشور: التحرير و التنوير ج 6 ص 223[2]
 سورة الشورى 13[3]
 التحرير و التنوير: ج 6 ص 226[4]
 سورة الجن 16[5]
 الشورى 21  [6]
 لسان العرب لابن منظور: ج2 ص 383[7]
 التحرير و التنوير: الطاهر بن عاشور ج 6 ص 223[8]
  سورة المائدة الآيتين 115/ 116 [9]
 سورة آل عمران آية7 [10]
 سورة القمر آية 43      [11]
 سورة القلم آية 35  [12]
 سورة مريم آية 78[13]
 سورة الكهف 22[14]
 سورة آل عمران آية 99[15]
 سورة البقرة آية 42[16]
 سورة آل عمران آية78[17]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق