الأحد، 28 أبريل 2013

رفض دسترة المجلس الإسلامي الأعلى أسبابه، وتداعياته



     أعلنت وسائل الإعلام خلال الأسبوع الأول من هذا الشهر، أن لجنة التشريع العام بالمجلس الوطني التأسيسي، قد رفضت دسترة المجلس الإسلامي الأعلى، وعلى الرغم من أن هذه الوسائل لم تذكر الأسباب التي استند إليها الرافضون للمشروع، فإن المتابع للسجال الدائر بالمجلس الوطني التأسيسي، ولا سيما مواقف المعارضة من العديد من القضايا يدرك بما لا يدع مجالا للشك، أن السبب الرئيس هو التقليص من الشأن الديني في الدستور الجديد، بل السعي إلى قطع رائحة الدين من هذا الدستور، وبذلك يمكن إفراغ الفصل الأول الذي حصل بشأنه الإجماع من محتواه بكل يسر وسهولة، وعندئذ تطبق العلمانية كما طبقت في عهدي بورقيبة، وبن علي، ولكن تحت غطاء الديمقراطية، وهو التوافق، أو الاحتكام إلى التصويت  عوضا عن أسلوب القسر، والإكراه الذي اعتمده بورقيبة و بن علي.
     ويبدو أن السير في هذا الاتجاه سيعيد البلاد إلى المربع الأول، و سيؤزم العلاقة بين الدين والدولة من جديد، وقد يدخل البلاد في صراع مرير لا قدر الله، نظرا لتغير الأوضاع، وتبدل الكثير من المعطيات.
      وهنا قد تطرح بعض الأسئلة وهي: لماذا يصر عدد من نواب المعارضة على استبعاد الدين، و كل ماله صلة مباشرة، أو غير مباشرة به ؟ 
     هل هو التعصب الإيديولوجي الذي كثيرا ما يعيق الإنسان عن إدراك الحقيقة، ويجعل صاحبه يعيش في أوهام المسرح كما يقول فرنسيس بايكو؟ أو أن هناك معطيات قد غابت عن هؤلاء المعارضين، فدفعتهم إلى اتخاذ مثل هذه المواقف؟
     إن من حسن خلق المسلم أن يحسن الظن بالناس، وبناء على ذلك أنزه السادة النواب عن التعصب الإيديولوجي، أما عدم معرفتهم بمعطيات هذه القضية، فقد يكون ذلك حاصلا، لأنه ليس من الضرورة أن يكون النائب على معرفة تامة ودقيقة بتاريخ بلاده، ولذا سنحاول أن نذكر السادة النواب المعارضين ببعض المعطيات التاريخية  لأن التاريخ صانع الضمير، والمستقبل لا يبنى إلا على الماضي، ومن هذه المعطيات:
1.    إن العامل الديني هو الذي حمى البلاد التونسية من الحملة الصليبية التي قادها لويس التاسع سنة 668هـ/1270م بتأييد من ملوك النصارى وبمباركة من البابا والتي استمر فيها الكفاح نحو ستة أشهر إلى أن فشا الوباء في الجيش الفرنسي فاضطر إلى الانسحاب، وفرض المستنصر بالله الحفصي شروطه على المنهزمين .
2.    إن العامل الديني هو الذي خلص السواحل التونسية كسوسة والمهدية وصفاقس من أيدي النرمان الذين دخلوها سنة 543هـ/1148م ولا سيما بعد أن وحدت الرابطة الدينية بين الشعب التونسي وبين الموحدين بقيادة عبد المؤمن بن علي فاطردوا النرمان  سنة 555هـ/1160م وبقيت تونس عربية مسلمة.
3.    إن العامل الديني هو الذي أنقذ البلاد التونسية من الاحتلال الأسباني، ولا سيما بعد أن وحدت الرابطة الدينية بين التونسيين والأتراك من أجل تخليص البلاد من الأسبان، وجورهم و عسفهم .
4.    إن العامل الديني هو الذي حمى الشعب التونسي من التمسيح، والفرنسة والتغريب منذ انتصاب الحماية إلى الاستقلال، وهذا العامل كان أكبر حافز على أن يقدم الشعب التونسي جحافل الشهداء من أجل الحفاظ على هويته العربية الإسلامية، ومقوماته الثقافية.
5.    إن العامل الديني هو الذي دفع آلاف المواطنين الأحرار إلى الوقوف ضد العلمنة والتغريب والدكتاتورية في عهدي بورقيبة وبن علي، وتحملوا في سبيل ذلك أفظع أنواع الاضطهاد من إعدام وتعذيب وسجن ونفي وتشريد .
6.    إن العامل الديني كان من أهم العوامل في نجاح الثورة المجيدة لاعتقاد الثائرين بأن من مات في سبيل الحرية هو شهيد، والشهداء مع الأنبياء خالدين في الفردوس.
     أليس بعد هذا كله أن يقف بعض نواب المعارضة ليستبعدوا الدين من مشروع الدستور ويضيفوا عليه صبغة علمانية ؟
     أليس من الأجدى أن نحافظ على هذا المقوم الرئيس الذي حمانا في كل الأزمات والخطوب في الماضي وسيظل كذلك في المستقبل ؟
     أليس من مصلحة البلاد والعباد أن يتفق النواب على المصالحة بين الشعب وهويته وأن يتجاوزوا الاستقطاب الخطير الذي يلوح في الأفق وبذلك يقع حل هذه المعضلة  حتى لا تكون مصدر قلق للأجيال القادمة ؟
     أليس من الأجدى أن يستفيد النواب من تجارب الدول الأخرى، ولا سيما تجربة روسيا وأوروبا الشرقية بعد انهيار الشيوعية حيث عمدوا إلى المصالحة بين الدين والدولة بعد أن كان الدين أفيون الشعوب، و أيضا تجربة العديد من بلدان أمريكا اللاتينية التي تحالف فيها اليسار مع رجال الدين الكاثوليك.
ثم تجارب النمور الآسيوية التي حققت نهضة مشهودة على مختلف الصعد من غير أن تتخلى عن مقوماتها الثقافية.
     أليس من الأحسن أن نفكر في الاستفادة من الدين في التنمية وفي التضامن الاجتماعي وفي نشر قيم الخير والفضيلة بدلا من استبعاده و تهميشه.
     وإلى جانب ذلك فإن دسترة المجلس الإسلامي الأعلى لها فوائد جمة تعود بالنفع العميم على الدولة والمجتمع ومن هذه الفوائد:
1.    إن دسترة المجلس الإسلامي من شأنه أن يعطي لهذه المؤسسة مكانة دستورية في هياكل الدولة فضلا عن المكانة الدينية و العلمية حتى تضع إستراتجية لنشر الفكر الديني الوسطي وتعيد التجانس العقدي والمذهبي بين أفراد المجتمع وتحقق ما يمكن أن نسميه بالأمن الديني.
2.    إن الدعوة إلى دسترة المجلس الإسلامي من شأنها أن تخرجه من الجمود والتهميش الذي فرضه بن علي ليضرب الإسلام السياسي و الرسمي على حد سواء ، وهو ما كان له أسوأ الأثر في الحياة الدينية في البلاد التونسية حيث تكشف بعد الثورة أن الوضع الديني في البلاد قد اتسم  بكثير من التوتر  والاضطراب، والاختلال ،ولذا لابد من مؤسسة دينية قوية قادرة على إخراج البلاد من هذه الفوضى الدينية العارمة .
3.    إن دسترة المجلس الإسلامي ليست بدعة حيث نجد مثل هذا المجلس في العديد من دساتير البلدان العربية والإسلامية، فقد نص الدستور الجزائري على المجلس الإسلامي الأعلى، وعلى مهامه، وتركيبته، وتبعيته، كما نص الدستور المغربي على المجلس العلمي الأعلى مبينا تركيبته وأهدافه ورئاسته حيث يرأسه الملك محمد السادس نفسه.
4.    إن دسترة المجلس الإسلامي ليس معناه أن يتحول إلى مجلس تنفيذي أو تشريعي، وإنما هو مجلس استشاري قد يمد النصح والمشورة إلى المؤسسات التشريعية في القوانين التي لهل علاقة بالإسلام عقيدة أو شريعة.
     وحصيلة الرأي أن السياسة التي تعتمد على تهميش الدين وإبعاده عن الحياة قد أثبت الواقع فشلها وتهافتها فضلا عن الآثار السلبية التي تحدثها، ولذلك لابد من المصالحة بين الشعب ومقوماته الثقافية ولا سيما الدين واللغة، حتى نتفرغ لمشاكل أخرى كالتنمية والتوازن الجهوي وغيرها وننخرط في الحداثة الحقيقية وليست الحداثة المزيفة .      
       د.سليمان الشواشي: أستاذ العقيدة وتاريخ الأديان بجامعة الزيتونة سابقا