|
الجمعة، 29 أبريل 2011
الإسلام بين الدين و الايديولوجيا
الأحد، 24 أبريل 2011
شبهة ميراث المرأة في الإسلام
تعالت في الأونة الأخيرة بعض أصوات الناعقين ممن يسمون أنفسهم بالعلمانيين مطالبين بتمكين المرأة من المساواة مع الرجل في الميراث و هم بذلك يريدون ابراز أن الإسلام ينتقص من قيمة المرأة و من شأنها و أن مكانتها دونية في مقابل الرجل في هذا النقل من كتاب حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين تفنيد قاطع لما يطرحونه.
كثير ممن يثيرون الشبهات حول أهـلية المرأة في الإسـلام – متخـذين من التمايز في الميراث سبيلاً إلى ذلك – لا يفقـهون أن توريث المـرأة على النصـف من الرجل ليس موقفًا عامًا ولا قاعدة مطّردة في توريث الإسلام لكل الذكور وكل الإناث.صحيح وحق أن آيات الميراث في القرآن الكريم قد جاء فيها قول الله سبحانه وتعالى:(للذكر مثل حظ الأنثيين) لكن القرآن الكريم لم يقل: يوصيكم الله في المواريث والوارثين للذكر مثل حظ الأنثيين.. إنما قال: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين[1]).. أى أن هذا التمييز ليس قاعدة مطّردة في كل حـالات الميراث ، وإنما هو في حالات خاصة ، بل و محدودة من بين حالات الميراث.
بل إن الفقه الحقيقي لفلسفة الإسلام في الميراث تكشف عن أن التمايـز في أنصبة الوارثين والوارثات لا يرجع إلى معيار الذكورة والأنوثة.. وإنما لهذه الفلسفة الإسلامية في التوريث حِكَم إلهية ومقاصد ربانية قد خفيت عن الذين جعلوا التفاوت بين الذكور والإناث في بعض مسائل الميراث وحالاته شبهة على كمال أهلية المرأة في الإسلام. وذلك أن التفاوت بين أنصبة الوارثين والوارثات في فلسـفة الميراث الإسلامي ـ إنما تحكمه ثلاثة معايير:
أولها: درجة القرابة بين الوارث ذكرًا كان أو أنثى وبين المُوَرَّث المتوفَّى فكلما اقتربت الصلة.. زاد النصيب في الميراث.. وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب في الميراث دونما اعتبار لجنس الوارثين.
وثانيها: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال.. فالأجيال التي تستقبل الحياة ، وتستعد لتحمل أعبائها ، عادة يكون نصيبها في الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة. وتتخفف من أعبائها ، بل وتصبح أعباؤها ـ عادة ـ مفروضة على غيرها ، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات.. فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه ـ وكلتاهما أنثى ـ.. وترث البنت أكثر من الأب ! – حتى لو كانت رضيعة لم تدرك شكل أبيها.. وحتى لو كان الأب هو مصدر الثروة التي للابن ، والتي تنفرد البنت بنصفها... وكذلك يرث الابن أكثر من الأب ـ وكلاهما من الذكور
وفى هذا المعيار من معايير فلسفة الميراث في الإسلام حِكَم إلهية بالغة ومقاصد ربانية سامية تخفى على الكثيرين. و هي معايير لا علاقة لها بالذكورة و الأنوثة على الاطلاق.
وفى هذا المعيار من معايير فلسفة الميراث في الإسلام حِكَم إلهية بالغة ومقاصد ربانية سامية تخفى على الكثيرين. و هي معايير لا علاقة لها بالذكورة و الأنوثة على الاطلاق.
وثالثها: العبء المالي الذي يوجب الشرع الإسلامي على الوارث تحمله والقيام به حيال الآخرين.. وهذا هو المعيار الوحيد الذي يثمر تفاوتاً بين الذكر والأنثى.. ولكنه تفاوت لا يفضي إلى أي ظلم للأنثى أو انتقاص إنصافها... بل ربما كان العكس هو الصحيح...
ففي حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون في درجة القرابة.. واتفقوا وتساووا في موقع الجيل الوارث من تتابع الأجيال – مثل أولاد المتوفَّى، ذكوراً و إناثاً – يكون تفاوت العبء المالي هو السبب في التفاوت في أنصبة الميراث.. ولذلك ، لم يعمم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى في عموم الوارثين ، وإنما حصره في هذه الحالة بالذات ، فقالت الآية القرآنية: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين).. ولم تقل: يوصيكم الله في عموم الوارثين.. والحكمة في هذا التفاوت ، في هذه الحالة بالذات ، هي أن الذكر هنا مكلف بإعالة أنثى ـ هي زوجه ـ مع أولادهما.. بينما الأنثـى الوارثة أخت الذكرـ إعالتها ، مع أولادها ، فريضة على الذكر المقترن بها.. فهي ـ مع هذا النقص في ميراثها بالنسبة لأخيها ، الذي ورث ضعف ميراثها ، أكثر حظًّا وامتيازاً منه في الميراث.. فميراثها ـ مع إعفائها من الإنفاق الواجب ـ هو ذمة مالية خالصة ومدخرة ، لجبر الاستضعاف الأنثوي ، ولتأمين حياتها ضد المخاطر والتقلبات.. وتلك حكمة إلهية قد تخفى على الكثيرين وإذا كانت هذه الفلسفة الإسلامية في تفاوت أنصبة الوارثين والوارثات وهى التي يغفل عنها طرفا الغلو ، الديني واللادينى ، الذين يحسبون هذا التفاوت الجزئي شبهة تلحق بأهلية المرأة في الإسلام فإن استقراء حالات ومسائل الميراث ـ كما جاءت في علم الفرائض (المواريث) ـ يكشف عن حقيقة قد تذهل الكثيرين عن أفكارهم المسبقة والمغلوطة في هذا الموضوع.. فهذا الاستقراء لحالات و مسائل الميراث يقول لنا:
ففي حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون في درجة القرابة.. واتفقوا وتساووا في موقع الجيل الوارث من تتابع الأجيال – مثل أولاد المتوفَّى، ذكوراً و إناثاً – يكون تفاوت العبء المالي هو السبب في التفاوت في أنصبة الميراث.. ولذلك ، لم يعمم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى في عموم الوارثين ، وإنما حصره في هذه الحالة بالذات ، فقالت الآية القرآنية: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين).. ولم تقل: يوصيكم الله في عموم الوارثين.. والحكمة في هذا التفاوت ، في هذه الحالة بالذات ، هي أن الذكر هنا مكلف بإعالة أنثى ـ هي زوجه ـ مع أولادهما.. بينما الأنثـى الوارثة أخت الذكرـ إعالتها ، مع أولادها ، فريضة على الذكر المقترن بها.. فهي ـ مع هذا النقص في ميراثها بالنسبة لأخيها ، الذي ورث ضعف ميراثها ، أكثر حظًّا وامتيازاً منه في الميراث.. فميراثها ـ مع إعفائها من الإنفاق الواجب ـ هو ذمة مالية خالصة ومدخرة ، لجبر الاستضعاف الأنثوي ، ولتأمين حياتها ضد المخاطر والتقلبات.. وتلك حكمة إلهية قد تخفى على الكثيرين وإذا كانت هذه الفلسفة الإسلامية في تفاوت أنصبة الوارثين والوارثات وهى التي يغفل عنها طرفا الغلو ، الديني واللادينى ، الذين يحسبون هذا التفاوت الجزئي شبهة تلحق بأهلية المرأة في الإسلام فإن استقراء حالات ومسائل الميراث ـ كما جاءت في علم الفرائض (المواريث) ـ يكشف عن حقيقة قد تذهل الكثيرين عن أفكارهم المسبقة والمغلوطة في هذا الموضوع.. فهذا الاستقراء لحالات و مسائل الميراث يقول لنا:
1. أن هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل.
2. هناك حالات أضعاف هذه الحالات الأربع ترث فيها المرأة مثل الرجل تماما.
3. هناك عشر حالات أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل.
4. هناك حالات ترث فيها المرأة و لا يرث نظيرها من الرجال.
أي هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل أو أكثر منه أو ترث هي و لا يرث نظيرها من الرجال في مقابل أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل.
تلك هي ثمرات استقراء حالات ومسـائل الميراث في عـلم الفرائض (المواريث) التي حكمتها المعايير الإسلامية التي حددتها فلسفة الإسلام في التوريث.. والتي لم تقف عند معيار الذكورة والأنوثة ، كما يحسب الكثيرون.
نقلا عن كتاب: حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين الخميس، 14 أبريل 2011
بين العولمة و العالمية جزء 3
I. سمات عالمية الإسلام
تقوم عالمية الإسلام على نوعين من القيم:-
أولهما:قيم عامة تدخل بها المجتمع البشري.وهي:
1- العدل: بالإيمان وحدة النوع البشري في أصله ومصيره.
2- السلام: بالإيمان بحق الحياة للفرد، وللمجتمع البشري.
3- الحرية: بالإيمان بالكرامة الإنسانية.
ثانيهما:قيم خاصة تلتزم بها في المجتمع الإسلامي.وهي:-
1- وحدة الإله المعبود، ووحدة الدين، ووحدة الأمة.
2- الأخوة الإسلامية: وصورتها الاقتصادية:التكافل الاجتماعي.وصورتها السياسية:الشورى والبيعة.
3- الجهاد إيمانا بضرورة تبليغ الدعوة، وضرورة حماية دولتها، وواجب صيانة القيم العامة.
ومن سمات عالمية الإسلام:
أنّ الإسلام دين يتميز بالعالمية. والعالمية تعني:عالمية الهدف والغاية والوسيلة، ويرتكز الخطاب القرآني على توجيه رسالة عالمية للناس جميعًا، قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" الأنبياء 107، وقال تعالى:" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ" سـبأ:28، ووصف الخالق عز وجل نفسه بأنه " رب العالمين" وذكر الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم مقترنًا بالناس والبشر جميعاً قال تعالى:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"البقرة21 " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً" البقرة:143 " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً " النساء:170 " قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ "الأعراف:158.
إنً الحضارة الإسلامية قامت على القاسم المشترك بين حضارات العالم، فقبلت الآخر، وتفاعلت معه أخذأً وعطاءً، بل إنّ حضارة الإسلام تعاملت مع الاختلاف بين البشر باعتباره من سنن الكون، لذلك دعا الخطاب القرآني إلى اعتبار الاختلاف في الجنس والدين واللغة من عوامل التعارف بين البشر. اتساقًا مع نفس المبادئ، إنّ الإسلام يوحّد بين البشر جميعاً رجالاً ونساءً، في قضايا محددة: أصل الخلق والنشأة، والكرامة الإنسانية والحقوق الإنسانية العامة، ووحدانية الإله، وحرية الاختيار وعدم الإكراه، ووحدة القيم والمثل الإنسانية العليا.
ومن هنا تظهر الاختلافات جلية بين مفهوم عالمية الإسلام ومفهوم "العولمة" فبينما تقوم الأولى على رد العالمية لعالمية الجنس البشري والقيم المطلقة، وتحترم خصوصيته، وتفرد الشعوب والثقافات المحلية، ترتكز الثانية على عملية نفي أو استبعاد لثقافات الأمم والشعوب ومحاولة فرض ثقافة واحدة لدول تمتلك القوة المادية وتهدف عبر العولمة لتحقيق مكاسب السوق لا منافع البشر.[1]
فالدولة الإسلامية احترمت عقائد رعاياها من غير المسلمين من أهل الذمة، وكفلت لهم حرية ممارسة شعائرهم الدينية، ووفرت لهم حق الحماية؛ فدماؤهم وأموالهم مصونة، وحرياتهم وكراماتهم محترمة، وقد أكد على ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث عديدة، منها: "من آذى ذمياً فأنا خصمه يوم القيامة، ومن خاصمته خصِمته". وكان الخليفة عمر رضي الله عنه يسأل عمَّاله عن أحوال أهل الذمة، وكان يفرض لهم من بيت مال المسلمين إن كانوا في حالة لا يتكسبون بها. وراعى المسلمون حقوق الأجانب، وهم الأشخاص الذين يدخلون الديار الإسلامية لمدد محدودة، ويسمون بالمستأمنين، ولم تصل الإنسانية إلى إقرار هذه الحقوق في ظل القوانين الوضعية إلاّ في القرن العشرين.
يؤكّد الدكتور محسن عبد الحميد وجود فرق كبير بين المصطلحين (العالمية والعولمة) فيقول: " إنّ أبناء هذا العالم بمختلف قبائله وشعوبه ولغاته وملله ونحله يعيشون على هذه الأرض، ولذا فلا بد أن يتفاهموا فيما بينهم، تمهيداً للتعاون الدائم على خير الجميع، ولا مانع من أن يأخذ بعضهم من بعض. ولا يجوز أن يفرض وبالإكراه بعضهم على بعض لغته أو دينه أو مبادئه أو موازينه. فالاختلاف في هذا الإطار طبيعي جداً والتعاون ضروري أبداً، لمنع الصدام والحروب والعدوان."[2] ويضيف: " إنّ تاريخ البشرية عامة وتاريخ الإسلام خاصة، لم يرد فيه دليل على أنّ المسلمين خطوا للبشرية طريقًا واحدًا، ووجهة واحدة وحكمًا واحدًا ونظامًا واحدًا، وعالماً واحدًا بقيادة واحدة، ليس بالإجبار والإكراه.بل اعترفوا بواقع الأديان واللغات والقوميات عاملوها معاملة كريمة، بلا خداع ولا سفه ولا طعن من الخلف، ولذلك عاش في المجتمع الإسلامي من أهل الملل الأخرى من اليهود والنصارى والصابئة والمجوس، وغيرهم بأمان واطمئنان، وأمّا الأمم التي كانت تعيش خارج العالم الإسلامي، فقد عقدت الدولة الإسلامية معها مواثيق ومعاهدات في قضايا الحياة المتنوعة. والتوجيه الأساس في بناء العلاقات الدولية في الإسلام قوله تعالى:" يا أيها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم"ْ الحجرات:11. وأمّا العولمة فهي مصطلح يعني جعل العالم عالمًا واحدًا، موجهًا توجيهًا واحدًا في إطار حضارة واحدة، ولذلك قد تسمى الكونية أو الكوكبة"[3]
II. الفرق بين عالمية الإسلام والعولمة:
إنّ أوجه الخلاف والتباين الجوهرية بين عالمية الإسلام والعولمة تكمن في كون العالمية من خصائص الدين السماوي المنزل من الله عز وجل، بينما العولمة هي ابتكار إنساني وصنعة بشرية مضادة لدين الله تعالى.
1- عالمية الإسلام ربانية في مصدرها: فهي من عند الله المتصف بالكمال المطلـق، خالق الكون والإنسان، ومنبثقة عن فهي تصور اعتقادي موحى به من الله سبحانه ومحصورة في هذا المصدر فحسب.[4] ومادامت ربانية متكاملة شاملة، فإنّ الخير والبركة وكذا السعادة ووفرة الإنتـاج من بركات الالتزام بها، وما دامت ربانية من عند الله عز وجل وتلبي أشـواق الـروح البشرية فإنّها مبرأة من النقص وخالية من العيوب، وبعيدة عن الظلم وبالتالي فإنّها وحدها تشبع الفطرة الإنسانية.
بينما العولمة بشرية في مصدرها؛ أي هي من تفكير العقل البشري وحـده، مـع اعتماده على شهوة التسلط والانفراد، وحب السيطرة على الآخرين، وهي أيضاً صدىً كبيراً للبيئة التي يعـيش فيها الغرب الاستعماري، ولكونها بشرية قائمة على شهوة التسلط والانفراد فإنها لم تنفع البشرية، بقدر ما تفرض السيطرة السياسية الغربية على الأنظمة الحاكمة والشعوب، وتتحكم في مركز القرار السياسي وصناعته في دول العالم لخدمة المصالح الأمريكية والقوى الصهيونية المتحالفة معها. إنّ العولمة تصدّر للناس الإلحاد والفساد الخلقي والفوضى الجنسية والشذوذ والانحراف، وتفرضه في مؤتمرات عالمية، بينما الإسلام حريص كل الحرص على تطهير الناس من الدنس الروحي والأخلاقي، ليرتفع الناس إلى المستوى اللائق بالإنسان...إنّ النموذج الحضاري الذي تقدمه العولمة يشكل فتنة كبيرة للناس، لأنّ فيه من ألوان التقدم المادي ما هو نافع حقيقة للناس، ولازم لهم ليرتفع مستواهم الحياتي، ولكن فيه في الوقت ذاته انتكاسات روحية وخلقية تهبط بالناس إلى درك أحط من الحيوان..والناس– لهبوطهم إلا من رحم ربك– يأخذون الأمرين معاً، على أنّهما معا هما التقدم والرفعة والرقي!! ومن أجل ذلك لا يحسون في لحظة الانتكاس أنهم منتكسون، بل يظنون أنهم ماضون في طريق الرفعة ما داموا يمارسون ألوان التقدم التي تتيحها هذه العولمة.( قطب،2001 :31-33)
2- الاختلاف في طبيعة المنهج: فمـنهج الإسلام مبني على الإيمان والتسليم، والمتابعة والانقياد لجملة أصوله وأركانه، والتطبيق العملـي لتشريعاته وأحكامه.أما العولمة فقائمة الرفض من الشعوب، ولذا قابلت مؤتمراتها بالمظاهرات والمسيرات التي تعبر عن الرفض المطلق للعولمة، والعولمة وتدعو إلى محاربة الدين الحق بما فيه قيم وأخلاق ونظم وتشريعات.
3- عالمية الإسلام تمتاز بالواقعية: فهي تصـور يتعامـل مـع الحقـائق الموضوعية ذات الوجود الحقيقي المستيقن، والأثر الواقعي الإيجابي. لا كالعولمة التـي تتعامل مع تصورات عقلية مجردة، أو مع مثاليات لا مقابل لها في عـالم الواقـع، أو لا وجود لها في عالم الواقع. ثمّ إنّ التصميم الذي تضعه العقيدة للحياة البشرية يحمل طابع الواقعيـة، لأنـّه قابل للتحقيق الواقعي في الحياة الإنسانية، ولكنها في الوقت ذاته واقعية مثالية، أو مثاليـة واقعية، لأنها تهدف إلى أرفع مستوى وأكمل نموذج، تملك البشرية أن تصعد إليه. ولا يضرب العقل البشري في التيه كما في الفلسفة ليتمثلها على هواه، في سلسـلة مـن القضايا المنطقية المجردة على طريقة الميتافيزيقا التي لا تفيد شيئاً، لا علما ولا إيماناً.
4- عالمية الإسلام تمتاز بالرحمة للعالمين: ويمكننا إدراك عمق الرحمة الإلهية للإنسان من خلال معرفتنا حالات الضعف البشرية، ومن خلال مطالعتنا للآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تتحدث عن رحمة اللّه وعفوه وغفرانه. قال تبارك وتعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء107 ويقول سبحانه (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) التوبة 128. وإذا استقرأنا نصوص القرآن الكريم، وتأملنا أحكام الشريعة الإسلامية وجدنا الرحمة الواسعة الفياضة، كما نجدها فياضة واسعة في شخص الرسول عليه السلام مبلّغ الإسلام، خلقاً وسلوكاً وأدباً وشمائل، فالرسول عليه السلام رحيم، ورحمته عامة شاملة فياضة طبع عليها ذوقه ووجدانه، وصبغ بها قلبه وفطرته، هذه الرحمة التي خلّصت الناس والأمم والبشرية جميعاً من إصر الأغلال التي كانت عليهم، كما خلصتهم من جور الاستعباد البشري، وجاءت بكمال الرحمة المحافظة على النفوس، الموفرة للأمن النفسي والاقتصادي، القاضية بعصمة أرواح الناس ودمائهم إلا بحق التشريع.
إنّ رسالة الإسلام قائمة في العبادة والتشريعات على الرحمة، التي تتمثل في رفع الحرج والمشقة، ليس في الشريعة مشقة بالمعنى الصحيح الشرعي وليس فيها عناء ولا عنت، وإنما هي عين اليسر وذات السماحة، قال تعالى:(وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)النساء 29. وقد جاءت مناسبة تماماً لفطرة الناس وطاقته كيفما كانت سلباً أو إيجابا، وهي تناسب جميع ظروف الإنسان وأحواله، ودون أدنى حرج أو مشقة، وصدق رب العزة إذ يقول تعالى:(مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة:6، ويقول تعالى:(وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍُ) الحج:78. ورحمة الإسلام مع أعدائه ومخالفيه والناقمين عليه المتربصين به، كما هي رحمته بمن آمن به وصدقه رحبة ندية فياضة، ودعا فيما دعا وأوجب أن تقوم علائق أمته فيما بينها على الرحمة والمودة والتعاطف استجلاباً لرحمة الخالق سبحانه وتعالى، فإنّه عز وجل يرحم من عباده الرحماء، قال صلى الله عليه و سلم:(الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).[5] والرسول صلى الله عليه وسلم قال عن نفسه:(إنما أنا رحمة مهداة).[6] والآيات القرآنية الكريمة لتشمل برحمتها الإنسان وتدعوه إلى التوبة، وتحذره من اليأس والقنوط. يقول تعالى:(كتب على نفسه الرحمة) الأنعام12 ، ويقول سبحانه ( إن رحمة اللّه قريب من المحسنين)الأعراف 56، ويقول تعالى (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) الأنعام147، ويقول تعالى:(وربك الغفور ذو الرحمة) الكهف 58. وهناك أمثلة كثيرة تعبر عن الرحمة الإلهية للإنسان. إنّ هذه الرحمة هي طابع الرسالة الإسلامية في جميع مجالاتها ومواقفها الحياتية، ليس في الإسلام تعسف ولا تعنت ولا كبت ولا إكراه ولا اضطهاد، بل الإسلام دين الرحمة واليسر والسماحة والعطف والمحبة.
ورحمة الرسالة الإسلامية تشمل ذوي العاهات والإعاقات، والأرامل والأيتام فإنّ الرحمة تتأكد في حقهم، فهم يعيشون في الحياة بوسائل منقوصة تعوق مسيرتهم، وتحول دون تحقيق مقاصدهم، ولذا فقد تضيق صدورهم، وتتحرج نفوسهم، فلقد قيدتهم عللهم، واجتمع عليهم حر الداء مع مرِّ الدواء، فيجب الترفق بهم، والحذر من الإساءة إليهم، أو الاستهانة بمتطلباتهم، فإنّ القسوة معهم جرمٌ عظيم، يقول الله تعالى:(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) النور61. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وأحسبه قال:كالْقَائِمِ لا يفتر، وكالصَّائِمِ لا يفطر."[7]
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)
-
بسم الله الرحمن الرحيم د.عثمان علي حسن مقد...
-
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله... أما بعد فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز:{إنا كل شيء خلقناه بقدر} [1] الله سبح...
-
ألف الغزالي كتابه تهافت الفلاسفة في القرن الحادي عشر الميلادي، ليهاجم فيه آراء الفلاسفة ومعتقداتهم، وواجه الفلاسفة آراءه بعد ذلك بالن...