تعتبر التكنولوجيا من أخطر أنواع التحدي التي واجهتها الثقافات ومنها الثقافة العربية ومازالت تواجهها و خاصة الثقافات التي مازالت قاصرة على دخول عالم التقنية لأسباب اقتصادية واجتماعية و لم تتهيأ بعد للوقوف في وجه هذا الغازي الجديد الذي أصبح يكتسح أجزاء العالم وقد نبه روني ماهو المدير السابق لليونسكو إلى هذه الظاهرة الجديدة من أنّ التصنيع و العلوم والتكنولوجيا و كل القوى التي تعمل عملها في تكييف مصير المجتمع الإنساني أصبح ينتشر مفعولها على قدر أوسع من العالم و يمتد إلى جميع سكان المعمورة بلا استثناء و أصبحت التقنيات الحديثة تهدد شعوب العالم النامي و تفرض عليها التبعية الدائمة إن هي وقفت دون تحقيق أي تقدم تكنولوجي و أنّ تصّرف جهودها نحو دعم البحوث العلمية في الميادين الاقتصادية و الاجتماعية و تعمل على تطوير ثقافتها حتى تكون في حصانة من خطر التقنيات الحديثة.
و لنا في التجربة اليابانية خير مثال لأجل مغالبة تأثيرات النمط الأوروبي للعلم و التقنية ولأجل حماية الثقافة الوطنية ذلك أنّ الخطر التكنولوجي على الثقافة العربية و غيرها من الثقافات يتمثل فيما يتوهمه البعض من أنّ الإنتاجات المادية و العلوم التقنية تتسم بالتجرد والبراءة من كل خطر يعتقد أنّ التكنولوجيا لا علاقة لها بثقافة أهلها و هي بذلك لا تشكل خطرا على المتعاملين معها في حين أنّ الإنتاج المادي و التكنولوجي منه بالخصوص ما هو إلا ثمرة للمكونات الثقافية و نتيجة من نتائجها و هو ما أكده العالم المكسيكي هاريرا من أنّ التكنولوجيا ليست كمظهر مادي للثقافة فحسب بل هي أيضا كعنصر من عناصر مركزي فيه. و نقل التكنولوجيا حسب رأيه إنّما يعني أيضا نقل الأشكال و التعابير الثقافية و هذا يهدد الاستقلال الثقافي للبلدان النامية التي مازالت بعيدة على البلدان المتطورة صناعيا في هذا الميدان و هو ما تفطن إليه أغلب العلماء الاجتماعيون كالعالم البرازيلي غوليت الذي بين أنّ نقل التكنولوجيا من العالم المصنع إلى العالم النامي لا يشمل المجال الإنتاجي فحسب بل للتكنولوجيا تأثيرا على البنية النفسية و نمط التفكير و هذا ما قد يهدد الاستقلالية الثقافية للدولة المستقلة المستوردة. لأنه لا يمكن أن نتصور إنتاجا ماديا أو اختراعا علميا أو أي ظاهرة تكنولوجيا بريئة كل البراءة من أي خلفية فكرية.
و ليس معنى هذا أنّ ثقافتها يجب أنّ ترفض التكنولوجيا و توصد الباب في وجه البحث العلمي لأنّه إذا كان ثمة من عامل يقرب بين الثقافات الوطنية و الخاصة فهي التكنولوجيا لهذا لا بد أنّ تكون عامل توحيد ثقافي على المستوى العالم بأسره و الحذر كل الحذر من التكنولوجيا المدمرة للثقافة.
التحدي الإعلامي: إنّ هيمنة التحدي الإعلامي للثقافة الخاصة و العامة تتمثل في
1- وكالات الأنباء العالمية: و ذلك بفضل ما تمتلكه من قدرات على نقل ما تنقله و الذي في العادة يتلون بمنظارها و مصالح البلد الذي تمثله.
2- التحكم في الاتصالات الدولية و ذلك عن طريق الأقمار الصناعية و الاتصالات اللاسلكية بما لها من مقدرة على كسر حواجز العزلة بين بلدان العالم و الوصل إلى المناطق النائية التي لم تكن تصلها وسائل الاتصال القديمة.
3- التحكم في التنمية صناعة و تصديرا و يظهر هذا بالخصوص في هيمنة الدول الغربية و اليابان على صناعة و تجارة تكنولوجيا الاتصالات الدولية و هذا التحكم يؤدي بدوره إلى فرض أنواع من التسلط و معلوم أنّ هذه الأساليب لها تأثيرها الكبير و المباشر على ثقافة هذه البلدان حيث تحاصر وسائل الإعلام العربية الإنسان بالكلمة المسموعة والمقروءة ذلك أنّ الفرد في مختلف مناطق العالم أصبح يعتمد اعتمادا كليا على تحصيل المعلومات من خلال وسائل الإعلام المتطورة و هذا الخطر يهدد على حد السواء بلدان الشمال و بلدان الجنوب و حتّى أوروبا نفسها شعرت بهذا الخطر المحدق بثقافتها و هو الذّي نبه إلى هذه الهيمنة الثقافية المتأتية من خلال البرامج السمعية البصرية الأمريكية و اليابانية و على الأخطار التي تهدد الثقافة الأوروبية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق