الأحد، 9 يناير 2011

جهود المسلمين في دراسة الأديان



     بالرجوع إلى الفكر الديني عند أصحاب الديانات الوضعية و الأديان السماوية قبل الإسلام لا نجد اهتماما واضحا للبحث في الأديان عامة. ففي الأديان الوضعية مثلا من خلال كتاب الموتى عند المصريين القدامى أو كتاب الفيدا عند الهنود أو الكتب الدينية عند البوذية مثل إنجيل بوذا فإننا نجد من خلال هذه المصادر التأسيسية أنها اكتفت بالتركيز على الاهتمام بأتباع هذه المعتقدات. فكتاب الموتى ركز البحث على ما بعد الموت من جزاء و حساب، و البراهمة ركزت على التعريف بالبراهمة و انقسام المجتمع الهندي إلى أربعة طبقات كبرى.
     كما ركزت البوذية على التعاليم الأخلاقية، أمّا الأديان السماوية قبل الإسلام و من خلال الكتب المقدسة فإننا لا نجد اهتماما يذكر بالأديان الأخرى كما أن الفكر اليهودي ركز على كل ما يتعلق بالمجتمع اليهودي عقيدة و شريعة و رفض رجال الدين اليهود الاعتراف بالأديان اللاحقة بما في ذلك المسيحية رغم أنهم كانوا ينتظرون قدوم المسيح.
     أمّا بالنسبة للمسيحية فإنّ السيد المسيح اعتبر نفسه مكملا لليهودية عندما قال" ما جئت لأمحو الناموس بل جئت لأكمله " غير أنّ الفكر الديني المسيحي حاول منذ القرن الثالث للميلاد الاستقلال عن اليهودية بتأسيس عقائد و شرائع خاصة بالمسيحيين كما نصت عليه قرارات المجامع و استمر الحذر من دراسة الأديان حتّى و إنّ كان الأمر يتعلق بالمسيحية ذاتها حتّى بداية القرن السابع عشر، حيث اعتبرت الكنيسة أنّ البحث في الأديان عامة و المسيحية خاصة  ضربا من الهرطقة و الخروج عن الدين.
     مع بداية القرن السابع عشر ظهر ما يسمى بحركات الإصلاح الديني و بدأ المصلحون في نقد الكنيسة المسيحية، التّي اعتبرت عندهم خارجة عن تعاليم العهد الجديد. و مع بداية القرن العشرين بدأ الغرب يؤسس لدراسة الأديان و ظهر عدد من الأعلام الذيّن اهتموا بدراسة الظاهرة الدينية و التعريف بالأديان و من أشهر هؤلاء ماكس موللر Max Müller  توفي سنة 1900 و وليم جيمس William James توفي سنة 1910 و تايلور Taylor توفي سنة 1917 و دوركايم  Durkheim 1917. ما نلاحظه أن الاهتمام بالأديان في أوروبا المسيحية بدأ كمباحث علمية موضوعية مع مطلع القرن العشرين. 
     أما بالنسبة للمسلمين فإننا نجد أن الاهتمام بالأديان بدأ مبكرا مع بداية البعثة و قد ساعدت عدة عوامل على الاهتمام بالأديان نذكر منها:
     - 1 القرآن الكريم الذي أورد ذكرا للأديان التي كانت سائدة في تلك المرحلة كما في قوله تعالى : " إن الذين آمنوا و الذين هادوا و الصابئين و النصارى و المجوس و الذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة " سورة الحج 17 فهذه الآية كما هو واضح ذكرت اليهود و الصائبة و النصارى و المجوس و المشركين و لم يتوقف القرآن الكريم عند هذا الحد بل ذكر كذلك الدهرية التي لا تؤمن باليوم الأخر و بالدين ككل كما في قوله تعالى: " و قالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت و نحي و ما يهلكنا إلا الدهر " الجاثية 24. فالدهريون شعارهم و مذهبهم في قولهم " أرحام تدفع و أرض تبلع "
     - 2 واقعية الإسلام فهو دين منفتح ينطلق من مبدإ العفو و التسامح الديني و المذهبي و يقر الخصوصيات الدينية و المذهبية قال تعالى: " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " البقرة 256 و قد شجع هذا الانفتاح الديني اهتمام المسلمين بالأديان.
     - 3 احتكاك المسلمين بغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى و قد أوجب عليهم هذا الواقع الجديد معرفة المعتقدات و الثقافات الدينية لهذه الطوائف التي تعيش داخل المجتمع الإسلامي من أجل احترامهم في خصوصياتهم الدينية. و نتيجة لهذه العوامل اهتمت مختلف المدارس الإسلامية بالتعرف على الأديان الأخرى.
     فالمفسرون في إطار شرح النصوص الدينية اضطروا إلى معرفة الأديان حتى يضمنوا تفاسيرهم بعض المعارف المتصلة بالمعتقدات التي نص عليها القرآن. كذلك الفقهاء في إطار احترام الإسلام للمذاهب المخالفة اضطروا لمعرفة الأحكام الخاصة بهذه الأقوام حتى يطبقوها عليهم.
     أما المؤرخون ففي اهتمامهم بالشعوب و الحضارات اضطروا إلى التعريف بالحياة الدينية في المناطق التي أرخوا لها، فالبيروني مثلا في حديثه عن بلاد الهند كتب كتابا سماه تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة. و المسعودي في مروج الذهب ذكر بعض الأديان وكذلك اليعقوبي في تاريخه.
     أما المتكلمين فكانوا الأكثر اهتماما بدراسة الأديان لأن مهمتهم انحصرت أساس في الدفاع عن العقيدة و حمايتها من جهة ثمّ دراسة الأديان الأخرى و تصحيح ما انحرف منها و لذلك تركوا لنا تراثا غزيرا في هذا الاختصاص و من بين المتكلمين نذكر
أبو عيسى الوراق و كتابه الرد على الفرق الثلاث
الجاحظ: الرد على النصارى
النوبختي: الآراء و الديانات
القاضي عبد الجبار: في الفرق بين الأديان
البغدادي أبو منصور: الملل و النحل 
ابن حزم الأندلسي: الفصل في الملل و الأهواء و النحل
الشهرستاني: الملل و النحل
ابن تيمية: الجواب الصحيح بمن بدل دينه بالمسيح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق