علي محمد اليوسف
(إن اللاوعي يتجاوز
الزمن) فرويد.
اللاوعي أي اللاشعوري علم النفس هو حالة الإنسان
النفسية السلبية الساكنة لا تمتلك التأثير ولا القدرة على تجاوزها الزمان العشوائي
الذي يكتنفها، لعدم إدراك حالة اللاشعور أو اللاوعي للزمن من حيث الزمان كوسيلة إدراك
عقلي وليس موضوعا للإدراك، بل يدركه العقل حدسا استدلاليا في معرفة غيره من أشياء
الطبيعة والموجودات، والإنسان لا يعي الزمن إدراكا حسّيا شعوريا موضوعيا لا في
اليقظة ولا في المنام... بعكس الزمان الذي هو فعاليّة ديناميكية شغّالة بحيوية
فائقة في حالة وعي الإنسان وإدراكه الأشياء الطبيعة، وليس هناك من إدراك شعوري لا
يداخله الزمن، ولا قيمة حقيقية للزمان في حالة اللاوعي أو اللاشعور.. ولا فاعلية
للزمان يعتّد الأخذ بها في حالة النائم الحالم المغيّب عنه وعيه الحسّي المادي الإدراكي
لذاته والوجود فيكون الزمان في الأحلام عشوائيا غير منظّم بخلاف الزمان في حالة
الشعور واليقظة.
فهو يقوم على تنظيم الأشياء المدركة في ملازمته الوعي الحسي
والعقلي للأشياء، ويبقى الإنسان النائم اللاواعي الحالم محتفظا بالعقل في إدراكه
صور الأشياء في الأحلام عشوائيا من غير انتظام لكنه لا يتبادل الإدراك مع الزمان
الذي لا وجود له في عالم الأحلام كادراك حدسي منظّم يقوم بترتيب تداعيات صور الأشياء،
كما في حالة الحدس بالزمان شعوريا في الواقع الطبيعي للإنسان كوسيلة إدراك، لذا فالزمان
المنظّم الغائب هو الذي تتجاوزه حالة اللاوعي الحلمية عند الإنسان من غير وعي به وإرادته
وتكون الذات النائمة الحالمة متحررة من سطوة الزمان عليها نهائيا، لأنه لا وجود
للزمان المحسوس كموضوع في إدراك العقل بل هو وسيلة العقل في إدراكه الأشياء في
حالة الشعور والوعي الانطولوجي بها وليس في واقعها الحلمي الصوري التجريدي المبعثر
غير المنظّم، والزمان يمتلك حضورا وهيمنة على الإنسان في وعيه، ولا سيطرة من الإنسان
على الزمن لا في وعيه ولا في غير وعيه في حالة اللاشعور.
وعدم حاجة عقل الإنسان للزمان في حالة
اللاوعي بسبب أن الزمن في حضوره بالأحلام وغياب الوعي الإدراكي المنتظم يكون حضورا
عشوائيا كما ذكرنا سابقا، والزمان في حالة اللاشعور هو حالة من التداعي الصوري
المتداخلة في عشوائية في مرور صور الأشياء مكانيا في ذهن الحالم التي لا ينتظمها
إدراك الزمن لها... ومكانية الأشياء تكون هي الأخرى بالأحلام وغياب الوعي مشوّشة
في تعدد وتوالي صور الأشياء وتداخلها مكانيا على شكل قطوعات صورية لا وصاية عليها
ولا حضور للزمن والدماغ الواعي إدراكيا في الذهن اللاشعوري الاسترجاعي المستمد من
الذاكرة في تنظيم تلك التداعيات في اللاشعور, بل يكون في تداخل زمني عشوائي معها
لا يستدل على تنظيمه صور تداعيات الأشياء والأمكنة في أحلام النائم كما هو الحال
على خلافه في المدرك الزماني شعوريا في حال تفكير اليقظة، الزمان المنتظم في حالة
الشعور الطبيعية عند الإنسان في اليقظة هو وسيلة أدراك العقل الأشياء منتظمة بفضل
تنظيم الإدراك الزماني لها قبل توصيلها كمدركات حسّية أو غير حسية للعقل ومن بعده
الدماغ فالذهن تحديدا. وفي حالة غياب الشعور أثناء النوم لا تتوفر للعقل قدرة إدراك
الأشياء في طبيعتها المنتظمة في غياب زمن إدراكها تنظيميا.
أن حدس أو إدراك الإنسان لموجودات الأشياء
مكانيا تصبح لاغية وفي حالة من غياب الإدراك العقلي لها في تغييب الزمان إدراكه الأشياء
في مكانها بانتظام قبل نقلها إلى الدماغ أو العقل والوعي الذهني بها. لذا يكون
الزمان في حالة الوعي والشعور الطبيعي هو نظام مدركات الأشياء زمنيا الذي تفتقده
هذه المدركات في حالة حضورها تداعيات في اللاوعي المجرد من الزمن الإدراكي النظامي
لها في الأحلام.
إن الاختلاف هنا بين إدراك الزمان للأشياء,
وأدراك العقل للأشياء مكانيا أن جاز لنا التفريق بينهما هو أن الزمان في إدراكه
وجود الأشياء يلغي ملازمة مدركه الزماني للشيء مع مدركه المكاني له كما يرغب ذلك الإدراك
العقلي للإنسان، بمعنى أن الإدراك العقلي للأشياء يفهمه مكانيا مجردا من زمن الإدراك
بخلاف الزمان الذي يدرك الأشياء مكانيا في زمنها وليس في وجودها في حيّز مكاني
محدود تشير لها الحواس...
إن الزمان الذي لا يدرك الأشياء بمعزل عن
العقل أنما يدركها زمانيا فقط والعقل يدركها مكانيا فقط بوسيلة توصيل الزمن لها، هذا
ما نتخيله يحدث في إدراكاتنا، في حين الحقيقة أن العقل يدرك الأشياء في تداخل زمان
ومكان الشيء المدرك بالحواس أولا.. لذا نجد أن الزمان يدرك الثابت والمتحرك مكانيا
من الأشياء بآلية واحدة في لحظة واحدة هي خاصية أدراك الزمان للأشياء بعيدا عن فهم
الإدراك العقلي المكاني لها الذي يمنحه الزمان للعقل في إدراكه وجود الأشياء
مكانيا مجردا من الزمان الإدراكي لهاو، العقل على خلاف الزمان لا يدرك من الأشياء زمانيتها
بل يدرك وجودها مكانا أو موضوعا مدركا بالذهن في حالة تجريد العقل فهم الأشياء من
وجودها المادي المكاني لمعالجتها وفهمها وتفسيرها بمقولاته, هذا ما نتصوره يحدث
وفق الآلية التي ذكرناها والحقيقة غير ذلك توضحها السطور القادمة....وفي هذه
النقطة بالذات يكون للزمان أولوية إدراكية على العقل في امتلاكه القدرة على منح
العقل إدراك الأشياء مكانيا بوسيلة الزمن غير المدركة عقليا ما هو كموضوع بل
كوسيلة إدراكية للأشياء، الزمان وسيلة إدراك عقلي ولا يكون موضوعا إدراكيا للعقل...والزمان
الإدراكي يعلو على العقل الإدراكي ويسبقه في الأولوية، وبغير الزمان لا يمكن للعقل
أن يعمل لا في إدراكه المحسوسات ولا في أمكانية معالجتها ويتوقف إدراكه للأشياء
كليّا، ولنا توضيح أكثر لاحق لهذه المسألة.
العقل لا يستطيع أدراك الأشياء في وجودها
المادي مكانيا بغياب أولوية أدراك الزمان لها قبل الحواس والجهاز العصبي والعقل،
والمدرك مكانا هو ما يمّثل كل وعي العقل بالشيء المدرك، ومدرك العقل مكانيا للشيء
لا يسحب معه زمانية ذلك المدرك بل يفهمه العقل كوجود موضوعي مكاني مجردا من
زمانيته التي لا يدركها العقل...
وإدراك العقل يهمه معرفة الأشياء في وجودها
كمواضيع للإدراك ألمتعيّن انطولوجيا وليس في زمانيتها المغيبّة التي هي وسيلة
العقل لإدراك الأشياء في متخيل مكاني فقط مجردا من حدس العقل حضور الزمن أو لا
حضوره كملازم ضروري في جعل الزمان المدرك للعقل هو مدرك مكاني فقط كما يرغبه
ويريده العقل... فمعالجة المدركات بالعقل لا تحتاج زمانية إدراكها بل يحتاجها
كموضوعات موضوعية موجودة مكانا كمتعيّن مادي، في حين يعجز العقل عن جعله إدراك
الزمان موضوعا لإدراكه بل الزمن هو وسيلة العقل في إدراكه وجود الأشياء في
مكانيتها فقط.
العقل لا يحتاج الزمان بعد توصيله إدراك الأشياء
بالذهن ومحاولته معرفتها وإخضاعها لسلطة العقل النقدي لها وتفسيرها وفهمها، وفي
هذه العملية لا يحتاج (الذهن) حضور الزمان كمدرك تعريفي للأشياء، والعقل لا يحتاج الزمن في تفكيره المجرد لكنه
قطعا يحتاج مدركات متعينة مكانيا في الذهن تجري معالجتها كمواضيع للإدراك منقولة
له عبر الحواس في وعي الزمان لها وتنظيم إدراكها قبل وعي العقل بها، وفي هذا تكون
أسبقية الوعي الزماني للأشياء على مدركات العقل لها انطولوجيا.
لماذا يحتاج العقل الزمان في إدراكه الأشياء
مكانا؟ ألا يمتلك العقل آلية غير اعتماده الزمان في إدراكه الموجودات والأشياء
مكانيا في وجودها الخارجي فقط بلا زمن يداخلها؟
الجواب على هذا التساؤل فيما نراه هو طالما
لا يكون إدراك الأشياء مكانا إلا بواسطة وسيلة الزمان، لذا لا يكون بمقدور العقل
الاستدلال في وعيه الأشياء وإدراكه لها كموضوعات بمعزل عن إدراكها الزماني، إذ لا
يوجد أدراك عقلي للأشياء مكانا قبل أدراك العقل لها زمانا.... وهذا يتم في عملية
التخارج الخارجية التي تربط الزمان والعقل في عملية الإدراك للأشياء في وجودها
الانطولوجي المستقل ...
أما داخل الذهن فالعملية تختلف بعد أدراك
العقل للأشياء واستلامها عن طريق الحواس والجهاز العصبي والإدراك الزمني لها، فالأشياء
تصبح داخل الذهن مواضيع إدراكية لا يحتاج فيها العقل الزمان في معالجته لها وإنما
يحتاج صور الأشياء بالفكر واللغة فقط المجردين عن قالبي الزمان والمكان معا ...
إشكالية تداخل العقل والزمان في عملية الإدراك
ما ذكرناه قبل أسطر يضعنا في إشكالية جوهرية
هامة جدا، هو كيف يكون الزمان وسيلة إدراك تنظيمية للأشياء والموجودات قبل توصيلها
للعقل، في وقت أن الزمان وسيلة أدراك عقلي لا يعرف العقل الإدراكي كنهها ولا
ماهيتها هذا من جهة، ومن جهة أخرى الزمان فعالية ووسيلة أدراك الأشياء وتوصيلها
للعقل في وقت هو أي الزمان معطى قبلي إدراكي للعقل لا يعي ذاته وربما لا يعي ما
يقوم به في عملية الإدراك العقلي للأشياء؟ وربما يكون دور الزمان في أدراك الأشياء
افتراضا مغلوطا، وهذا غير صحيح ولن يكون لاستحالة أدراك العقل للأشياء بالحواس
كموجودات مكانية فقط من غير ملازمة ذلك الإدراك الحسّي زمن إدراكها....
وهذا يجعلنا نذهب ونلوذ إلى ترجيح مفهوم كانط
للزمان أنه معطى قبلي في الذهن سابق على أي وجود أو أدراك عقلي من دونه..... ومن
هنا يكون الإدراك الزماني للأشياء سابقا على أدراك الحواس والعقل للأشياء على الأقل
في تراتيبية الإدراك بدءا من الحواس وانتهاء بالدماغ والذهن عبر منظومة الجهاز
العصبي المعقدة، والزمان لا يعي الأشياء في إدراكها ألا بتوجيه مسّبق من العقل في
الوصاية عليه وتوجيهه كوسيلة في الإدراك لكنه يبقى الزمان لا يشكل موضوعا للإدراك
من قبل العقل أي لا يفهم العقل ماهية الزمان أكثر من الحدس الاستدلالي به في معرفة
الأشياء...
ويبقى الإدراك الحسي للأشياء زمانيا سابقا
أدراك العقل لها تجريديا مكانا، وهذا تحليل ترتيبي فكري فلسفي منطقي مجرد لا يلزم
العلم الأخذ به لما تحتويه عملية الإدراك من تعقيد يشترك به وجود الشيء والإحساس
به وكذلك تداخل كل من الزمان والعقل عبر الجهاز العصبي المستقبل والموصل الإدراكات
إلى المخ.
ويبقى التساؤل المحيّر قائما ومشروعا كيف
تكون علاقة تواصل الإدراك الزماني للأشياء في ملازمته العقل الإدراكي وأيهما أقرب
للتصديق لاوعي الزمان في الإدراك أم وعي العقل في الإدراك وارتباط الوعي الزماني
بوصاية العقل عليه؟ وكيف يرتبط أدراك الزمان مع أدراك الحواس والعقل للأشياء في
عملية واحدة؟ وأيهما له الأسبقية والأولية بذلك؟ وهل ممكنا للزمان أدراك الأشياء
بمعزل عن وصاية العقل عليه وتوجيهه؟ لا نجد المسألة سهلة تنتهي بأجوبة فلسفية
منطقية غير مهتدية بما يقوله العلم بهذا المجال الإشكالي الذي لا يمتلك هو الآخر
جوابا شافيا.
وتبقى مهمة البت في علاقة الارتباط الإدراكي للأشياء
مابين العقل والزمان ووفق أية آلية تتم لا تستطيع الفلسفة ولا المنطق الإجابة
الشافية عنه. كما وليس من مهامهما القيام بذلك وإنما تبقى الإجابة على عاتق
ومسؤولية العلم الطبي التخصصي في علم فسلجة الدماغ والجهاز العصبي، فالفلسفة في
النهاية هي تجريد فكري منطقي لا تخضع منطلقاتها ومباحثها الفلسفية إلى نوع من
التجريب المختبري أو التحليلي العلمي.
قد يكون من السهل علينا معرفة اكتشاف العلم
كيف ترى عين الإنسان والآلية الفسلجية المعقدة التي تجري بين الضوء والعين والدماغ
والجهاز العصبي ومثلها مع بقية الحواس كالسمع والتذوق وغيرهما، لكن نجد من الصعوبة
العلمية الإجابة كيف تتم عملية التفكير الوظائفي في الدماغ علميا قبل عجز الفلسفة الإجابة
عن ذلك على حد معرفتي!؟ لا أعتقد العلم توصّل إلى معرفة ألآلية التي يتم بها تفكير
العقل ذاتيا بمواضيعه الإدراكية داخل المخ وكيف يقوم بتخليق وتفسير وفهم مواضيعه
المدركة قبل أعادتها إلى العالم الخارجي مجددا. وسأطرح وجهة نظري في مقاربة
توضيحية لهذا الالتباس الشائك.
العقل والزمان في الإدراك الشعوري واللاشعوري
الزمان يحتاجه العقل في إدراكه الوجود
والطبيعة والأشياء المادية الموجودة بالمحيط الخارجي, ولا يحتاجه في حالة تخليق
الذهن للأشياء في الدماغ, الدماغ يفكر في صور الأشياء في رمزية اللغة وتعبير الفكر
عن الوعي الذهني بهما... ولا يحتاج العقل الزمن النظامي في اللاوعي أثناء النوم والأحلام
حيث ترتبط تداعيات صور الأشياء بنوع من عشوائية وتداخل المكان والزمان في قطوعات
عشوائية مبهمة يقوم عليها اللاشعور في غياب الإدراك العقلي المنّظم لها، ولا يحتاج
العقل الزمان أيضا في حالة أتمام العقل وصول مدركاته للأشياء إلى الذهن في صورها
المكانية وليس في ملازمة الزمان تفكير الذهن لها، العقل لا يقوم بالتفكير الذهني بالأشياء
كموضوعات بالزمان تجريديا, أي الزمان ليس وسيلة من وسائل تفكير العقل بل هو وسيلة لإيصال
مدركات الأشياء للعقل فقط... والعقل يقوم بمعالجة مدركاته في تعينّها كمواضيع
والزمان ليس موضوعا ولا من ضمنها.
علاقة الإدراك الزماني للأشياء بالعقل
التخليقي لها هو في توصيل الزمان مدركات العالم الخارجي له فقط كما هي وظيفة
الحواس.... العقل ذاته لا يدرك تداعيات صور الأشياء الذهنية في حلم الإنسان أثناء
نومه في غياب تنظيم الزمان لاشعور الإنسان من جهة واختلاط الصور الذهنية مكانيا من
غير تنظيم زماني لها من جهة أخرى.. وسيلة العقل في التفكير بالأشياء في الذهن هو
الفكر المجرد واللغة الصورية فقط وليس الزمان كوسيلة أدراك من ضمنها.. تفكير العقل
الذهني لا يحتاج الزمن الإدراكي للأشياء بل يحتاجها موضوعات مكانية يجري تجريدها
في الذهن عند معالجة العقل لها بمقولاته المعرفية والتفسيرية.
ومدركات تداعيات صور الأشياء أثناء نوم
الحالم في غياب الوعي أنما يدركها عقل الإنسان الباطني اللاشعوري في عشوائية تلغي
تحقيب الزمان أو توقيتاته المعتادة في تنظيم عالم الأشياء الخارجي في مرجعية
الزمان للعقل, كما وتلغي عشوائية تداعيات صور اللاشعور أثناء النوم, وعدم تنظيم
صور المكان المتداخلة زمانيا - مكانيا في استلام عقل النائم لها من ذاكرة الحالم
فقط في أثناء لاوعيه.
مجمل وعديد من صور الأشياء يتحرر فيها
اللاشعور من وصاية إدراك الزمان والمكان لها في أشكال من تداعيات الموضوعات التي
يستلمها اللاشعور عند النائم في انسيابية ودون ترابط بينها أغلب الأحيان باختلاف
أن فهم العقل للأشياء وإدراكها في وجودها المادي الخارجي يكون شعوريا منظّما لأن مدركات
الزمان لها يكون منتظما، وهو غيره نجده في تراجع دور العقل الواعي الذي يكون
مقيّدا وبلا وصاية مؤثرة أثناء مرور تداعيات صور الأشياء في اللاشعور الذهني عند
النائم التي لا وصاية للعقل عليها في إدراكها منتظمة غير مشّوشة وعشوائية وأن كان
عقل الحالم حاضرا أثناء تداعيات صور الأفكار والأشياء بشكل إدراكي غير منتظم بسبب
غياب الزمن الإدراكي المنظم.
الإنسان لا يدرك الزمان وجودا ماديا ولا
مدركا حدسيا كموضوع في الذهن, في حيويته وأهميته في حالة وعيه الحدسي به في
استدلال العقل لإدراكه موجودات الطبيعة في موجوداتها المستقلة، ولا يدرك العقل
الزمان في اللاشعور أثناء النوم، كذلك الزمان لا يدركه اللاوعي في ثباته وسكونه أثناء
النوم، فالعقل شغّال من غير تنظيم إدراكي للأشياء في غياب الإدراك الزماني
اللاواعي أثناء النوم بسبب أن العقل لا يدرك نظام وتنظيم مدركاته من دون أن يقوم
الزمان بهذه المهمة قبله أو بعده لا فرق بذلك فتنظيم الإدراك بين العقل والزمان
مشتركة وليس مهما معرفة الأسبقية الإدراكية لأي منهما على الآخر، كما أن العقل
شغّال أيضا غير مفارق ذهن الإنسان في حالتي الوعي واللاوعي، أي أن الزمان المنظّم
لا يدرك حالة اللاوعي عند الإنسان أثناء النوم في الأحلام، ولا يتدّخل بها كما هي
الحال في تداخله مع وعي الإنسان وإدراكه موجودات الطبيعة من الأشياء في اليقظة.
وحالة الوجود اللاوعي أو اللاشعور عند الإنسان
لا يدركها العقل ولا الزمان في نفس آلية إدراكهما المنظّم تجليّات وعي الإنسان في إدراكه
أشياء الطبيعة والوجود الواقعي باليقظة الذي تتظافر به مجتمعة معطيات الحواس،
والجهاز العصبي الناقل، وتعبيرات اللغة والفكر والدماغ في إدراك الأشياء وإعطاء
تفسيرات لها.. وكل هذه الفعاليات البيولوجية المعقّدة المعجزة تكون معطّلة في غياب
فاعلية الزمان إدراكه الأشياء في وجودها المادي المستقل في الطبيعة وعالم الأشياء..
العقل كما هي الحواس أيضا تحتاج الزمن الإدراكي لنقل فعالياتها الإدراكية إلى ذهن الإنسان..
ولا أدراك للأشياء في غياب زمن إدراكها، والحواس لا تدرك الأشياء من غير أدراك
زماني ملازم لها متطابق معها في الإدراك...
الزمان في حال كونه معطى إدراكيا قبليا ثابتا
في الذهن كوسيلة أدراك العقل للأشياء كما يذهب له كانط, أو كونه ديناميكية شغّالة
يعتمدها العقل ترتبط بالحواس والمعطيات الإدراكية المنقولة إلى العقل أو الذهن فهو
في كلتا الحالتين يكون الزمان حدسا في ملازمته الضرورية الوعي في تجليّاته الفكرية
وليس موضوعا للإدراك، ولا يدرك النائم الحالم الزمان في حالة اللاوعي عنده.. كما
أن ألزمان لا يدرك ذاته باختلاف حالتي وعي الإنسان أو اللاوعي الحلمي في محاولته أدراك
ذاتيته المغيبّة وسط تداعيات مخيّلة الذاكرة التي يستلمها اللاشعور في عشوائية من
التداعيات وانتقالات خارج الزمان والمكان المدركان في حالة وجود الإنسان ضمن
الطبيعة...أي أن النائم يخرق قوانين الطبيعة في أحلامه من دون وعيه وأرادته. وخرق
قوانين الطبيعة لا يتم إلا في تغييب الزمن وهذا متحقق في غياب الوعي عند الحالم....
وفعلا تبقى مقولة فرويد أن اللاوعي لا يحتاج
الزمن أو هو متحرر منه صحيحة فالإنسان لا
يتحرر من سطوة الزمان عليه إلا في حالة اللاوعي أو اللاشعور أثناء النوم والأحلام
التي تتداخل فيها صور الأشياء بالذهن من غير زمن ينظمها، ويكون فيها اللاشعور في أوج فعاليته المتحررة
في غياب وصاية الزمان التنظيمية لهذه الصور المتقافزة بالذهن في عشوائية نجدها في الأحلام
مثلما لا نجدها في وصاية الزمان على الشعور والوعي في اليقظة وقيامه تنظيم
المدركات الحسية والعقلية.
الزمان لا يشتغل إلا مع وعي الإنسان المتبادل
معه حدسا أو إدراكا استدلاليا في معرفة الأشياء والوعي بها.. بفارق أن الزمان يدرك
الإنسان كوجود في الطبيعة حاله حال جميع إدراكات الأشياء المحيطة به كمواضيع إدراكية
له، لكن الإنسان لا يقوى على أدراك الزمان كموضوع له سوى من خلال حدس تجليّاته
الاستدلالية في إدراكه ألأشياء المنقولة للعقل عبر معطيات المدركات الحسية المادية
للأشياء.. كما لا يستطيع الإنسان أدراك الزمان في حالة اللاوعي أيضا كما هو الحال
عند الإنسان الحالم في تداخل المكان والقطوعات الزمنية غير المنّظمة المرافقة عنده
من دون حضور الزمان المنظّم في تحقيقه وعي الإنسان بذاته وفي محيطه في غياب لاشعور
النائم وتداعيات صور الأشياء عشوائيا بالذهن الحالم.
إن اللاوعي في مفهوم علم النفس هو وعي مغيّب
الحضور على مستوى تغييب الإدراك العقلي له زمانيا، واللاوعي مرادف اللاشعور, لذا
يكون اللاوعي أو اللاشعور الحلمي أثناء النوم وجود مفارق للواقع الزمني والمكاني،
يلغي الحدود التي يضعها الشعور الافتراضي في تحقيب الزمن تاريخيا إلى ماضي وحاضر
ومستقبل وفي توقيتاته الزمنية في التقويم الزمني المعتاد المتواضع عليه في تقسيم
اليوم والساعة والليل والنهار والفصول وغير ذلك أيضا.
في
اللاشعور أو اللاوعي عند النائم لا يدرك الإنسان ذاته ولا يدرك المحيط من حوله
لأنه حالة ثبات في انعدام الزمن المنظّم الواجب في ملازمته صور تداعيات الأشياء
مكانا عند الشخص الحالم,ولا يمكنه أدراك متغيّرات صورية متداعية لا ينظمها الزمان
المنظّم للأشياء الصورية الحلمية وفي ترتيبه قطاعات المكان, بخلاف آلية الزمان الإدراكية
فيوعيه الأشياء والطبيعة كما هي في حالة اليقظة, عن طريق نقل الزمان الذي يعتبره
كانط إدراكا مقولبا ثابتا في العقل وسابق على وجود الأشياء، ونقله معطيات
المحسوسات للذهن التجريدي، فاللاشعور في ثباته لا يدرك الزمان منتظما توقيتا أو
تحقيبا تاريخيا، ولا يدرك المكان وجودا منتظما لأنه محكوم بزمن غائب ومتغير ومكان
خارق لقوانين الطبيعة في تداخله مع تداعيات صور الأشياء بذهن النائم الحالم، عليه
يكون تداخل التحقيب الزمني غير وارد ولا حاصل مع أدراك اللاشعور لصور الأشياء
بأشكال مختلفة عنها أثناء النوم بالمقارنة في حضور أدراك الأشياء المادي الواقعي
في حضور وتأطير إدراك الأشياء بانتظام زمني وانتظام مكاني معا، هنا نؤكد ما سبق توضيحه
أن المكان في غياب أدراك الزمان له غير موجود إلا في وجوده المستقل في الطبيعة
كمتعين مادي ولا وجود إدراكي له بالذهن قبل أدراك الزمان له وتنظيم الوعي به..
العقل عاجز عن أدراك الأشياء قبل أدراك الزمان لها،ووجود الشيء مكانا في الطبيعة
لا يمنح العقل إدراكه له من غير أدراك زمني له يزامنه في تسهيل مهمة العقل إدراكه. واللاشعور يدرك وجود الأشياء واجترار الذاكرة
الصور القصّية البعيدة والقريبة في عشوائية ذهنية مكانية حالمة لا يداخلها الزمني
في حلم غياب الشعور أثناء النوم..
إدراك الأشياء مكانيا في اليقظة وحضور الشعور
أنما هو (زمن) حدسي قبلي يأتي بعد وجود الأشياء في العالم الخارجي المحسوس، وبعد
أدراك العقل لها واستقرارها في الذهن يعطي الذهن صحة مدركاته الأشياء في تنظيم الوعي
المعرفي بها في تداخل الإدراك بين الزمان والعقل.
والإنسان في وعيه الإدراكي الشعوري الواقعي
لذاته، وفي إدراكه وجود الأشياء من حوله في الطبيعة, أنما يتم له ذلك من خلال
تحقيبه الزمن إدراكيا في وجود الأشياء وفي التوقيتات الزمنية بدءا من الساعة وأجزائها
وتعاقب الليل والنهار وليس انتهاء بتعاقب الفصول الأربعة. وبذلك تكتسب الأشياء انتظام
وجودها الزماني – المكاني في الطبيعة وليس في اللاشعور الذي يكون فيه حضور الزمن
غير منتظم وغائب تقريبا.
إن أي تجزيء توقيتي للزمن أو تحقيب تاريخي له
أنما هو عمل افتراضي لا واقعي لزمن واحد يعيشه الإنسان في وعيه الشعوري وإدراكه
وجود الأشياء والتاريخ، ويتعذّر على الإنسان تجزئة الزمان أو التقسيم أو التحقيب التاريخي
في زمان مدرك كموضوع وإنما كقطائع افتراضية واقعية، كما يعيشه الإنسان فقط كوسيلة
في تنظيم مدركاته الأشياء في الطبيعة وليس في أدراك الزمن (بذاته) أو معرفة الإنسان
ماهيته فالزمن ليس موضوعا للإدراك ولكنه وسيلة العقل في الإدراك كما أشرنا له أكثر
من مرة.. الزمن لا يدركه الإنسان ولا يحس به وإنما بحدسه عقليا فقط في ادراكاته ونتائجه
الاستدلالية وفي ملازمته الشعور فقط وليس اللاشعور...الزمن في تنظيم الإنسان له
على مدار الساعة وانتهاء بالتحقيب التاريخي له ماض وحاضر ومستقبل، أنما هي عملية
يقوم بها الإنسان في تنظيم مدركاته للأشياء والوجود انطولوجيا وليس تنظيم الزمن في
علاقته بالمكان في الطبيعة.
والزمن واحد في تداعيات صور الموضوعات غير
المنتظمة في استقبال ذهن الإنسان وذاكرته في انتظام أدراك الأشياء عقليا...فالزمن
ثابت ولا يتغير لا في ثبات الأشياء مكانيا ولا في تغيراتها زمانيا بالنسبة لإدراك الإنسان
للأشياء وليس أدراك الزمان لها، فالزمن لا
يعي ذاته ولا يعي دوره في تحقيق مهمة العقل أدراك الأشياء.. والزمن يدرك حركة الأشياء
في صيرورتها ولا يدرك الأشياء في ثباتها المكاني الافتراضي كما ذهب له كانط، فثبات الأشياء المكاني في أدراك الزمان لها هو
في واقعه الحقيقي أدراك الأشياء زمانيا فقط ليس بالنسبة لأدراك العقل وليس لأدراك
الزمن، بمعنى الزمن وسيلة أدراك الموضوعات والأشياء في زمانية هي خاصيته في احتوائه
الأشياء كمدركات مكانية ينقلها للعقل، وبالحقيقة المثبّتة صحتها علميا أنما يكون
الزمن بهذه الحالة في إدراكه مكانية الأشياء في مهمة تسهيل أدراك العقل لها هي
مدركات ألزمان لذاته فقط ويكون وجود الشيء مكانا أنما هو مدرك زماني.. أمام هذه
الحقيقة العلمية ذهب برجسون إلى تخطئته العلم بمنطق الفلسفة الخاطئ. (تراجع
مقالتنا بعنوان كانط والمعطى القبلي للزمان والمكان).
الزمان يدرك ذاتيته المرتبطة بالعقل ولا يدرك
الأشياء في وجودها المكاني المستقل إلا باستثناء افتراضي أن يكون الزمان مدركا
عقليا يسيّره العقل كيفما يشاء ويريد.. وأنه ليس هناك زمن لا تكون فاعليته من غير
عقل أنساني يسيّره.. وهذا خلاف المنطق الفلسفي والعلمي فالزمان وجود قبلي في ملازمته
حدس العقل الإنساني له، والزمن يعمل في الطبيعة كواحد من قوانين الطبيعة المستقلة
التي لا قدرة للإنسان في السيطرة عليه سواء أدركه الإنسان أو لم يدركه، فالزمن
قرين وجود الطبيعة قبل أن يكون قرين وجود الإنسان في تكوين معارفه وتشكيل وعيه.
وبالعودة مجددا إلى مقولة فرويد, نجد غياب
الزمن في اللاوعي أو في اللاشعور لا يتم إلا في فقدان الإنسان شعوره المادي
الواقعي بالحياة كوجود انطولوجي، كذات وموضوع معا، بمعنى أن حلم النائم هو موت
مؤجل في الحياة يعيشه الإنسان في لا شعوره به أثناء النوم بفارق بقاء العقل
والنظام البيولوجي يعمل في الجسم أثناء اليقظة وأثناء النوم ولا يتوقف العقل عن
حضوره الواعي والتفكيري إلا بعد ممات الإنسان.
وفي غياب الزمن التوقيتي أو التحقيبي أثناء النوم
كما يجري في الأحلام تتوفر أمكانية أن يجد الإنسان نفسه كائنا خارقا لقوانين
الطبيعة,ويستطيع بكل يسر وسهولة وبغير أرادة مسبقة منه القيام بالخوارق في كسر
قوانين الطبيعة في الزمان والمكان الذي نعيشه، والتي يستحيل على الإنسان في عالمه
الواقعي القيام بأبسطها في وجوده الطبيعي الشعوري، والسبب في هذا هو غياب الزمن في
تنظيم تداعيات اللاشعور في صور الأشياء المتطايرة عشوائيا في الأحلام .. .. .أن
خرق قوانين الطبيعة في الأحلام عند الإنسان ممكنة الفعل والتصديق بها من قبل الفرد
الواحد صاحب التجربة الحلمية، ولا يشابه هذا خرق قوانين الطبيعة التي يجتازها الأنبياء
وينسبوها لأشخاص يمتلكون بعضا من المعجزات كما في الأساطير الدينية على الأرض،
ويتم خرق قوانين الطبيعة عند غالبية الأشخاص زمانيا – مكانيا أثناء الأحلام، وبلا
حدود واقعية فارقة تعودوها واستمدوها من وجودهم الأرضي الواقعي الذي ينظمه الشعور والإدراك
الواقعي الحسي العقلي وتنظيم الزمان لمدركات الأشياء.. كما يتحقق للإنسان أثناء
النوم أن يعيش الزمن في بعد واحد فقط تتداخل فيه الأمكنة غير المترابطة ولا
المنتظمة زمانيا فأدراك الأشياء منتظمة لا يتم من غير ملازمة الزمان إدراكها
والوعي بها، ولا يوجد هناك أكثر من بعد زمني واحد عشوائي تتداخل فيه صور الأمكنة
الماضية بالحاضر والمستقبل المتخّيل في الأحلام...
وأن تقسيم الزمن وتحقيبه هو من
أبتداع ملكة الإنسان العقلية والخيالية على السواء في تنظيم إدراكاتنا وأساليب
حياتنا المتواضع عليها عبر العصور في خضوع الإنسان لتحقيب وتوقيتات الزمن التي
أبتدعها وأوجدها ملائمة لتنظيم حياته في حدس الزمان وليس في إدراكه، ولم يكن الإنسان
في يوم ما مسيطرا على الزمن في تحقيق رغائبه وأمانيه, بل العكس هو الصحيح تماما
فلا يقدر الإنسان الفكاك من سطوة الزمن عليه واستعباده له منذ الولادة وحتى الممات،
فالإنسان في تحقيبه الزمن تاريخيا وتنظيم مواقيت التقويم الزمني له يدرك ماذا يفعل
مكانا وليس زمانا في حقيقته، بينما تكون سيطرة الزمان على الإنسان عملية لا تعي
ذاتها ولا تعي ما يفعله الإنسان بها ولا تدرك أن الإنسان عبد لزمانه وليس سيدا
عليه .
علي محمد اليوسف /الموصل
***
الورقة لم تعالج الموضوع من جوانب علمية كما في دراسة وظائف علم الأعضاء الخاص
بالدماغ والجملة العصبية, كما لا تعالجه من جانب دراسات علم النفس وتداخلها مع علم
وظائف الأعضاء، بل الورقة بحث فلسفي فقط في فهم الإدراكات الموضوعية المادية في
منهج فلسفي فقط، لهذا يلاحظ أن الورقة البحثية خلو من مصادر علمية تخص علم النفس
وعلم وظائف الأعضاء...(ع. م.ي)